تمامـ السادسة مساءً ، هذا ما أشارت إليه ساعة هاتف [ صـــوفي ] الجوّال ،
رددت في ذهنها : " ربع ســـاعة ويصل " ، أغلقت هاتفها ووضعته في جيب بنطالها المزركش ذاك ..
طلبت سيارة أجــرة كانت بالشارع ، اختارت من المقعد الخلفي مكانًا لها ، دخلت لتجلس عليه ..
سائق سيارة الأجـــرة : " ما وجهتكِ ؟ "
[ صـــوفي ] : " خذني إلى محطّــــة القطار ,,, رجاءً "
انطلقت السيارة بسرعة رغمـ الزحامـ الذي ملأ شارع تلك المدينة وقتها ..
ظلّت [ صـــوفي ] تنظر إلى الطرقات من خلال النافذة ، وهي تفكر بعمقٍ شديدٍ ..
" هل تغيّـــــرتَ ؟ هل تبدّل حالك ؟ أمـ أنني كما تركتك .. سأجدكَ الآن ؟ " رددت هذه الأسئلة كلها
دفعةً واحدة في ذهنها ,, تفكر بأمر والدها الذي تستعد الآن لاتسقباله ..
•••
خرجت الأستاذة [ حسناء ] من بوابة المدرسة ، ليلفت انتابهها جلوس [ وصـــال ] على الرصيف قرب البوابة ..
اقتربت منها ، دنت إليها ، لتجلس بجوارها ..
أ. [ حسناء ] : " اسمكِ [ وصــال ] أليس كذلك ؟ "
[ وصــال ] : " صحيح أيتها الأستاذة "
أ. [ حسناء ] : " طيب يا [ وصـــال ] ,, تأخر والدكِ عنكِ ؟ "
أومأت [ وصـــال ] بالإيجاب ، رأتها الأستاذة لتخرج من حقيبتها هاتفًا خلويًا ..
وناولته لــ [ وصـــال ] ، قائلةً : " خذيه واتصلي بوالدكِ ليحضر إليكِ "
التقطت [ وصـــال ] منها الهاتف ، وأخذت تدقّ على أرقامه طالبةً رقمـ والدها ..
وضعت الهاتف قرب أذنها ، وبدأ الإتصـــــال ، انتظرت ، وانتظرت ..
إلاّ أنه لمـ يجبها أحد ..
أبعدت الهاتف عن أذنها ، باديًا على وجهها الإستياء الشديد ..
فهمت المعلمة الامر من تعابير [ وصـــال ] الواضحة ..
قالت لها : " جرّبي أن تتصلي بوالدتكِ ، إن كانت تحمل هاتفًا "
نفّذت [ وصـــال ] ما أمرتها به معلّمتها ، وطلبت رقمـ هاتف والدتها ,,
بدأ الإتصـــال ، لتجيب والدتها أخيرًا ..
[ وصــال ] بلهفة : " أمـــي ؟! "
والدتها : " [ وصـــال ] ؟! ما الأمر عزيزتي ؟ "
[ وصـــال ] : " لمـ يحضر والدي .. "
والدتها : " مجددًا ؟ لا شك أن تلك الحرباء لمـ تتركه يحضر إليكِ "
[ وصــال ] : " والعمـــل ؟ ألا تستطيعين أن تحضري أنتِ ؟ "
والدتها : " مستحيـــل ! اليومـ دوره هو ليسمح لكِ بالمبيت عنده .. "
[ وصــال ] : " لكنه لمـ يأتِ .. و لا أستطيع البقاء بالمدرسة "
والدتها : " لا يهمني .. كان عليه أن يكون أكثر اهتمامًا بكِ ,, إلاّ أنه منشغلٌ بتلك الشمطاء ..
آخ فقط .. لو أنها تسقط بين يدي فقط .. عندهـــا ســـ ... "
[ وصــال ] مقاطعةً : " يكفي يكفي ,, سمعتُ ما يكفيني ويزيد عليّ .. شكرًا على أية حال "
وأنهت المكــــالمة ,, ظلّت الأستاذة [ حسناء ] تنظر إلى [ وصـــال ] التي انتابها الإحباط الشديد
بعد مكالمتها تلك ,,
فهمت الأستاذة أن تلميذتها تعاني مشاكل عائلية ، أشفقت عليها ,,
أ. [ حسناء ] : " [ وصــال ] .. هيّا انهضي معي "
[ وصــال ] : " إلى أين ؟ "
أ. [ حسناء ] : " أنا من سيقلّك إلى منزلكِ .. "
[ وصـــال ] : " لا داعي لذلك ، سأنتظر والدي ، وإن تأخر فإنه سيحضر "
أ. [ حسناء ] : " لكـــن الشمس غربت ,, هيّا ، لن أتقبّل كلمة أخـــرى ، تحركي "
وأخذت الأستاذة تسحب [ وصـــال ] من ذراعها إلى أن وصلت إلى سيارتها ,,
ركبت [ وصـــال ] بجانب معلّمتها الجميلة ..
وقصدتا منزل [ وصــــال ] ,,
•••
وسط ذاك الزحامـ الذي ملأ المحطة كانت تسير ، تنظر ذات اليمين وذات الشمال ، تبحث
عن أبيها الذي تترقب وصوله ..
وقفت تنتظر ، إلى أن بدا هو لهــــا من بعيد ,,
ظهرت ابتسامةٌ خفيفةٌ لذا رؤيتها له ، اتجهت نحوه ، كانت سعيدةً برؤيته ، وإن لمـ تُظهر ذلك ,,
إلاّ أن تلك السعادة سرعان ما تبددت بعد التي رأتها ,,
كانت مع والده إمــــرأة ..
جميلةٌ جدًا ، ذات شعرٍ بنيٍ فاتح اللون ، بشرتها بيضاء ناصعة ، وعيناها بنية بنفس لون شعرها ,,
تحمل تلك الملامح الفرنسية ، التي امتاز بها أهــالي البلد الذي تركته ,,
بدا عليها الإستياء ، سلّمت على والدها ، إلاّ أنها تجنّبت تلك المرأة ...
متظاهرةً بعدمـ رؤيتها لها ..
" لمـ يتراجع عن فكرته ، ولمـ يتبدّل ، فها هي ذي ,, مكان والـــدتي أراها " رددت هذه العبارة في ذهنها باستياءٍ شديدٍ ، وهي ترى خاتمـ الزواج في يد
تلك المرأة التي رافقت والدها ..
•••
أغلقت ستائر غرفتها ، استدارت إلى الأمامـ ، واتجهت وهي على كرسيها المتحرك ذاك إلى حيث
تجلس والدتها ..
بدت في غاية السعادة ، خاصةً بعد يومها الأول في المدرسة ، فلمـ تداومـ في اليومـ الذي سبقه ..
انتبهت والدتها إلى سعادتها ,,
والدتها : " كيف كان يومكِ ؟ "
[ .. ] : " رائعًا جدًا ,, لمـ أعلمـ أن ابن عمي فائق اللطف هكذا ! "
والدتها : " بلا شك ,, [ علي ] شابٌ خلوقٌ .. أين أجلسكِ يا [ هبـــة ] ؟ "
[ هبـــة ] : " على مقربةٍ منه ، أنا في صف الطاولات الرابع ، وهو بالخامس قرب الحائط "
أردفت قائلةً :
" كــــان غايةً في اللطف معـــي اليومـ ! "